منتدى شوشو
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


لكل العرب
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أثر الفصاحة والبيان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
john cena

john cena


عدد المساهمات : 256
نقاط التميز : 1083
تاريخ التسجيل : 10/08/2009
العمر : 29
الموقع : www.chouchout.ahlamontada.com

أثر الفصاحة والبيان Empty
مُساهمةموضوع: أثر الفصاحة والبيان   أثر الفصاحة والبيان Icon_minitimeالإثنين 24 أغسطس - 6:15

أثر الفصاحة والبيان
د. محمد حسان الطيان
وصف بعضُ البلغاء اللسانَ فقال:
"اللسان أداة يظهر بها حسن البيان، وظاهر يخبر به عن ضمير، وشاهد ينبئك عن غائب، وحاكم يفصل به الخطاب، وناطق يُردُّ به الجواب، وشافع تدرك به الحاجة، وواصف تعرف به الحقائق، ومُعَزٍّ ينفى به الحزن، ومؤنس تذهب به الوحشة، وواعظ ينهى عن القبيح، ومزيّن يدعو إلى الحسن، وزارع يحرث المودة، وحاصدٌ يستأصل الضغينة، ومُلهٍ يونق به الأسماع".

فاللسان وسيلة يتوسل بها الإنسان لبلوغ كل حاجاته ويحقق بها كل أمانيه ورغباته، وكلما استطاع المرء أن يصقل من لسانه ويسمو في بيانه، كان أقدرَ على تحقيق أهدافه وبلوغ آماله، واجتياز العوائق التي قد يصادفها، واجتناب المآزق التي قد يقع فيها.

قال هشام بن عبد الملك: إن الله رفع درجة اللسان فأنطقه بين الجوارح.
وقال علي بن عبدة: إنما يبين عن الإنسان اللسان، وعن المودة العينان.
وقال آخر: الرجل مخبوء تحت لسانه.
وقالوا: المرء بأصغريه قلبه ولسانه.

وقال الشاعر:ومَا المرءُ إِلاَّ الأَصغَرانِ: لِسانُهُ ومَعقولُهُ، والجسمُ خَلْقٌ مُصوَّرُ
فإنْ طُرَّةٌ راقتكَ يومًا فرُبّما يمرُّ مَذاقُ العودِ والعُودُ أخضَرُ


وكثيراً ما يكون اللسانُ سبباً في رفع صاحبه وسموّه أو في وضعه وذلِّه. قال يحيى بن خالد: "ما رأيت رجلاً قط إلا هبتُه حتى يتكلم، فإن كان فصيحاً عظم في صدري، وإن قصر سقط من عيني".

وقيل : تكلّموا تُعرفوا.
وقد يصغر المرء في عيون مَن حولَهُ لصغرٍ في سنه، أو نحولٍ في جسمه، أو زراية في مظهره، أو دمامةٍ في وجهه، فما يعلو به غير لسانه، وما يُكبره في عيونهم غير بيانه.

روى الجاحظ أن معاوية -رضي الله عنه- نظر إلى النخّار بن أوس العُذري، الخطيب الناسب، في عباءة في ناحية من مجلسه، فأنكره وأنكر مكانه زِرايةً منه عليه، فقال: من هذا؟ فقال النخّار: يا أمير المؤمنين، إن العباءة لا تكلمك، وإنما يكلمك من فيها!

قال: ونظر النعمان بن المنذر إلى ضَمرة بن ضَمرة، فلما رأى دمامته وقلَّته قال: "تسمع بالمُعَيْدِيِّ لا أن تراه" هكذا تقوله العرب، فقال ضمرة: "أبيتَ اللعن، إن الرجال لا تُكال بالقُفزان، ولا توزن بالميزان، وليست بمُسوك يُستقى بها، وإنما المرء بأصغريه: بقلبه ولسانه، إن صال صال بجَنان، وإن قال قال ببيان".

وقد بلغ من تقدير العرب للسان والبيان أن عدُّوه معادلاً لنور العيون، قال ابن عباس بعدما ذهب نور بصره: إنْ يأخذِ اللهُ من عينيَّ نورهما ففي لساني وقلبي منهُما نورُ
قلبي ذكيٌّ وعقلي غَيرُ ذي دَخَلٍ وفي فمي صارمٌ كالسيف مأثورُ

ولا غَروَ، فباللسان يجول المرءُ ويَصول، ويبلغ ما لا يبلغه بحواسّهِ الأُخرى، فإذا كان اللسان فصيحاً طليقاً، كان أعونَ على الإبانة، وأرجَى لتحقيق المآرب، قيل لدَغفَل: أنى لك هذا العلم؟ قال: لسانٌ سَؤول، وقلبٌ عَقول1.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت رضي الله عنه: ما بقي من لسانك؟ فضرب به أرنبته وقال: والله لو وضعته على شعر لحلقه، أو على حجر لفلقه!
وهكذا كان حسان بن ثابت -رضي الله عنه- شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم بل شاعر الدعوة الإسلامية، ولسان حالها، والمنافح عنها، والذائد عن حياضها، بلسانه وفصاحته وبيانه وطلاقته.


والأذن ما تطرب لشيء طربَها للسان فصيح وبيان مليح، ألم يقل بشار بن برد:
يا قوم أُذْني لبعض الحيِّ عاشقةٌ والأذنُ تعشقُ قبلَ العينِ أحيانا؟!


بل إن أثر اللسان ليجتاز الأذن ويصل إلى صميم القلوب والضمائر. إذا ما صافحَ الأسماعَ يوماً تبسّمَتِ الضمائرُ والقلوبُ

ويقول الحصري القيرواني في زهر الآداب: "والكلام الجيد الطبع، مقبول في السمع، قريب المثال، بعيد المنال، أنيق الديباجة، رقيق الزجاجة، يدنو من فهم سامعه، كدنوّه من وهم صانعه".

وللفصاحة والبيان أثر كبير في تجلية الحقائق ووصف الوقائع، ولكن أثرهما يبدو أكبر عندما تبرز قدرتهما على قلب الأمور رأساً على عقب، وطمس الحقائق، وتزوير الوقائع، وذم ما حقه المدح، ومدح ما حقه الذم، وهو خلق ذميم نهى عنه الإسلام وتوعد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صاحبَه بالنار، وذلك في قوله:
"ولعل بعضكم أن يكون ألحنَ بحجته من بعض فأقضي له، فمن قضيت له بشيء من ذلك فإنما أقطع له قطعة من النار".

ولكننا ذكرناه هنا لنقف على مقدار أثر الفصاحة والبيان في النفوس، حتى إنها لتمكن صاحبها من مدح الشيء وذمه بآن واحد، وقد ألف أمير البيان الجاحظ في ذلك كتاباً سماه: ( مدح الشيء وذمّه)، تناول فيه أشياء بالمدح تارةً وبالذم تارةً أخرى.

ولعل في خبر عمرو بن الأهتم والزبرقان بن بدر خيرَ دليل على هذا، فقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن الأهتم عن الزبرقان بن بدر، فقال:
"إنه لمانعٌ لحوزته، مُطاع في أدْنَيْه". قال الزبرقان: إنه يا رسول الله ليعلم مني أكثر مما قال، ولكنه حسدني شرفي، فقصر بي، قال عمرو: "هو والله زَمِرُ المُروءة، ضيق العَطَن، لئيم الخال". فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في عينيه فقال:
"يارسول الله، رضيتُ فقلتُ أحسنَ ما علمت، وغضبتُ فقلتُ أقبحَ ما علمت، وما كذبتُ في الأولى، ولقد صدقتُ في الآخرة" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من البيان لسحراً"2.

ومما يدخل في هذه البابة ما أُلِّف من مقامات في المفاخرات والمناظرات، حيث يحشد الأديب كل ما أوتي من بلاغة وفصاحة، وبيان وطلاقة، في الاستدلال على مدح الشيء ورفعَتِه، وعلو قدره ومنزلته، ثم يحشد مثل ذلك للاستدلال على مدح نقيضه فيحار القارئ إلى أيهما ينحاز، وقد عنيت بأَخَرة بإخراج كتاب في هذه المقامات لثلّة من الأدباء بعنوان: (المفاخرات والمناظرات) صدر عن دار البشائر الإسلامية ببيروت، ضم مفاخرة بين الليل والنهار، وأخرى بين الشمس والقمر، وثالثة بين الغربة والإقامة، ورابعة بين العلم والجهل، وخامسة بين الماء والهواء، وسادسة بين الأرض والسماء.

ولا أجد في ختام هذا المقام وبيان هذا المعنى أحسن من قول ابن الرومي: في زُخرف القول تزيينٌ لباطلِهِ والحقُّ قد يعتريهِ سوءُ تعبيرِ
تقولُ هذا مُجاج النحلِ تمدحُهُ وإن تَعِبْ قلتَ ذا قيءُ الزنانيرِ
مدحاً وذماً، وما جاوزتَ وصفَهما سحرُ البيانِ يُري الظلماءَ كالنورِ

--------------------
01 دغفل بن حنظلة: نسابة العرب (65هـ)، قال الجاحظ: لم يدرك الناس مثله لساناً وعلماً وحفظاً. الأعلام 2/340.
02 ورد بهذا النص في البيان والتبيين، وفصل المقال في شرح كتاب الأمثال. ( إضافة من المحرر).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أثر الفصاحة والبيان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قولها عشر مرات وبسرعه ....اعطيك وسام الفصاحة
» قولها عشر مرات وبسرعه ....اعطيك وسام الفصاحة....

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى شوشو :: ادب وشعر :: أدباء وشعراء ومطبوعات-
انتقل الى: