||¤ حياكة البشوت مهنة قديمة قضت عليها الآلات الحديثة ¤||
زاول العم أحمد السلطان مهنة الحياكة منذ نعومة أظافره، فقد ورث هذه الحرفة القديمة عن جدّه ووالده، وما زال الى يومنا هذا يزاولها في منزله، بالطريقة التقليدية القديمة. « الجريدة» زارته في منزله الكائن في منطقة القادسية وأجرت معه الحوار التالي حول تاريخ هذه الحرفة وطبيعتها.
متى بدأت مزاولة هذه المهنة؟
أتحدّر من عائلة جميع أفرادها «حياك»، وقد بدأت بمزاولة هذه المهنة منذ الطفولة وورثتها عن جدي وأبي. في البداية كنت أتعلم الحياكة بالدولاب وأتدرب من خلاله وعندما كبرت قليلاً وطالت قامتي بدأت بالعمل على « الدكان»، وهو عبارة عن حفرة عميقة في الأرض كانت تُستخدم آنذاك لحياكة الأقمشة، إذ يتصل «الدكان» بـ{النول» عن طريق عملية الفتح والغلق المتصلة «بالقفل} والذي يتحكم به الحائك خلال حياكة نسيجه.
حدّثنا عن أنواع البشوت التي كنت تحيكها؟
كنا نحيك أنواعاً كثيرة من البشوت ومنها: «الجبر»، يستخدم عادة في الشتاء، و{بين البينين» وهو ليس بجبر وليس بخفيف يستخدم في موسم الربيع، وثمة البشت الخفيف شبيه «بالململ» وهو عادةً ما يستخدم في الصيف لبرودته بالإضافة إلى بشت «الوبر» وهو كان أغلى أنواع البشوت آنذاك.
ما ألوان البشوت المستخدمة؟
الأبيض والأسود «البدري» و{النباتي» و{الأصفر» و{الأدبس» وتُصبغ جميعها بألوان طبيعية، مثلاً اللون الأسود عبارة عن «القرف» وهو قشر الرمان، و{البدري» يصبغ بورق نبات الحناء المطحون المنقوع والمضاف إليه «الجفت» والذي بدوره يسحب اللون ويخفِّفه، وهي عملية يومية يدأب عليها صناع البشوت في صناعتهم.
هل كنتم تقومون بعملية غزل الصوف؟
سابقاً، كانت الأصواف تجز وتغزل في المنازل وكانت النسوة يقمن بهذه العملية وذلك على مدار الساعة لكسب العيش.
كم من الوقت تستغرق في نسج البشت الواحد؟
كانت تقاس قطع الأقمشة
بـ{الوار» و{الذراع» وهو عبارة عن 90 سم، وتستغرق عملية صنع ست «وارات» ثلاثة أيام من العمل بالنسبة الى البشت «الطيب» المصنوع من الخيوط الرفيعة والتي بدورها تحتاج إلى دقة في الصنع، أما البشت الأقل جودة المصنوع من الخيوط السميكة فيستغرق يوماً واحداً لإنجازه.
حدّثنا عن أسعار البشوت آنذاك؟
ثمة بشوت بـ 12 روبية و25 روبية و45 روبية وذلك بحسب المواسم، فمثلاً في موسم البحر وموسم الربيع تزيد أسعار البشوت بزيادة الإقبال عليها.
كيف تحافظ على البشت القديم من التلف؟
سابقاً كانت تحفظ الألبسة ومن ضمنها البشوت في صناديق «مبيته» وهي في الحقيقة طريقة خاطئة تضر بالأقمشة، فالأخيرة بطبيعتها تحتاج إلى تهوئة دورية كيلا تتلف، فالصناديق المغلقة بلا تهوية تساعد على خروج الديدان من الأقمشة الصوفية ما يؤدي إلى تلفها. شخصياً أنصح الراغبين في المحافظة على «البشوت} الخاصة بهم بتهويتها خارج الخزانة من حين الى آخر.
هل زاول أبناؤك هذه الحرفة؟
للأسف لم أعلِّمهم هذه الحرفة، فالتطور والتمدّن حالا دون ذلك. في بداية الخمسينات اندثرت هذه المهنة لتحل محلها الماكينات الحديثة والمصانع، ولم يبقَ في العائلة غيري يزاول هذه الحرفة وأعتبر نفسي الوحيد محلياً ممن ما برحوا يزاولونها.
هل ثمة اهتمام بهذه الحرفة محلياً؟
«النخلة العوجة ثمرها لغير أهلها» ، للأسف لا يوجد في الكويت اهتمام بالحرف القديمة ما أدى إلى اندثارها، بعكس الدول الغربية التي تهتم كثيراً بالحرف القديمة وبالتراث، فقد زارني في منزلي كثير من الباحثين والمهتمين في صناعة الأنسجة وآخرهم مؤلف أميركي يعمل على تأليف كتاب خاص بالمنسوجات.
حدِّثنا عن النول الكائنة في حديقة منزلك؟
ما زلت حتى يومنا هذا أعشق حرفة الحياكة التي جُبلتُ عليها منذ الصغر، لذا قررت بناء «نول» خاصة بي في حديقة المنزل لأعمل بها كلما رغبت في ذلك، وقد صنعتها بنفسي يدوياً بمعداتها القديمة التقليدية المصنوعة من الخشب، والمكونة من حفرة « الدكان» «والنول» و{العجلة» و«الدولاب» و «القفل» و{والميان» و«الشاروفه» وغيرها من المعدات القديمة التي كانت تستخدم في عملية الحياكة.
الحياكة قديماً
الحياكة من الصناعات اليدوية المرتبطة بخياطة البشوت، إذ كان الحاكة ينسجون «الدروج» (وهي أقمشة البشوت) من الصوف المتوافر داخل الكويت والذي يغزل وينسج محلياً. وينقسم الغزل الى قسمين، غزل رقيق ومتوسط الرقة ويستورد من الدورق وقيلان وإيران والعراق وتحاك منه العباءات الجيدة. أما الغزل الآخر فهو كويتي أو غزل البادية ويمتاز بخشونته وتحاك منه العباءات السميكة. وقد اشتهر فريج الحساوية حينذاك بعمل الحياكة والبشوت وكانت الأدوات المستخدمة هي الدولاب والنول. ويقع فريج الحاكة بالقرب من دوار الحاكة راهناً وكان لدى أصحاب الحاكة «باركة» وهو عبارة عن حوش خاص منفصل عن حرم المنزل لوضع «الأنوال» (آلات النسيج الخاصة بالحياكة) و»الدولاب» (آلة لف الغزل)، و « الدكان» (حفرة في الأرض تحت النول الكبير ليتمكن الحائك من مد ساقيه داخلها فتريح جسمه أثناء الجلوس لساعات طويلة)، وتوجد في مشاغل كبار الحاكة أكثر من خمسة أنوال. كان العمال يعملون من الصباح وحتى المساء يومياً ما عدا العطلات والأعياد، تحت إشراف مدير المشغل، ويتقاضون مبلغاً لا بأس به من المال أي ما بين 8 إلى 18 روبية وكانت تعطى حسب المقدرة الشخصية والمهارة المطلوبة. ومن أهم منسوجات الحائك اللباس الخارجي الذي يرتديه رجال الكويت في الأعياد والمناسبات مثل الزواج، وكان يُصنع من وبر الجمال أو أصواف الأغنام وتزركش جوانبه بخيوط من الحرير أو الذهب. من أشهر الكويتيين الذين زاولوا هذه الحرفة المرحومون: الحاج ابراهيم البحراني والحاج محمد السيافي والحاج صالح الحمد والحاج حسين الخميس والحاج عبدالله المري وأحمد وحسن العيد وعائلة القثم وعائلة السبع. أما العاملات في هذه المهنة فكنَّ من البدو أو الحضر وكنَّ يقمن بعملية الغزل التي تسبق بدورها عمليتي الصبغ والحياكة.
لكم كامل تحياتي
الأحد 23 أغسطس - 9:15