استطاع النشيد الإسلامي مؤخراً أن يفرض نفسه على جميع شرائح المجتمع ووسائل الإعلام المتنوعة من خلال ما يقدمه من كلمات هادفة وألحان عصرية وأداء يفوق في بعضه الغناء الماجن، كما كان للمهرجانات الإنشادية التي تقام سنوياً في مناطق المملكة أثر بالغ في تعريف المجتمع بأصالة النشيد الإسلامي وقدرته على المنافسة واكتساب جمهور واسع أكبر من سابقه.
وفي العامين الماضيين من شهر رمضان استطاع النشيد الإسلامي أن يسيطر سيطرة كاملة على وصلات وفقرات البث الإذاعي لأثير mbc fm خلال ليالي وأيام شهر رمضان المبارك، حيث قدم العديد من المنشدين وصلاتهم الإنشادية التي جعلت من هذا الأثير وجبة رمضانية يومية للمتدينين وغيرهم، في حين كانت هذه الموجة مخصصة لمحبي الغناء فقط. وسجل تواجد هذه الأناشيد عبر أثير fm حضوراً جماهيرياً ورضىً غلب على كثير من المتابعين لهذه الموجة، حيث أشار المستمعون إلى أن تواجد النشيد الإسلامي عبر الإذاعة يصب في صالح الفن الهادف، مما يعني أنه أصبح إحدى الأدوات المؤثرة في المجتمع.
تعاون وشراكة
وجاء تعاون شركة العين العالمية مع أثير mbc fm خلال العامين الماضيين الأول من نوعه، حيث حرصت العين على دعم هذا الأثير ببعض الأناشيد التي تتناسب مع طبيعة المستمعين، خصوصاً أن الشهر الفضيل لا تناسبه الكلمات الفاحشة والعشق والغرام، فاختارت الإذاعة أن تخصص هذا الشهر بالكامل لبث الأناشيد الدينية الهادفة، حيث اختارت آخر ما نزل في الساحة الإنشادية مع الحرص على أن تكون هذه الأناشيد مقبولة عند شريحة غير المتدينين وتناسب ميولهم قدر الاستطاعة.
وقال عبدالله لعجم، مدير المشروعات بشركة العين، إن هذا التعاون سبقه تعاونات أخرى مع مجموعة الإم بي سي من خلال مهرجان الأريج الأول، بعدها فتحنا العديد من أوجه التعاون الأخرى مع المجموعة، فجاءت هذه البادرة لتختص بشهر رمضان المبارك.
وأوضح لعجم أنه في العامين الماضيين كان التعاون ينحصر في إمدادهم بالأناشيد المحافظة فقط، ولكن في هذه السنة حاولنا أن نرفع كمية التعاون بالإضافة إلى الأناشيد الجديدة، ليشمل تقديم العديد من البرامج الخفيفة التي تناسب اجواء شهر رمضان، فسنقدم خمسة برامج دعوية لشيوخ معروفين من داخل السعودية ومنهم الدكتور أيوب الأيوب في برنامج "عيش حياتك"، والشيخ إبراهيم الحارثي في برنامج "إنسانيات"، والدكتور علي العمري في برنامج "كل يوم قصة"، والدكتور عادل باناعمة في برنامج "أشواق"، والدكتور علي أبو الحين في برنامج "يا سلام".
كما أوضح المهندس محمد صويلح، مدير شركة العين العالمية، أن التعاون مع مجموعة الإم بي سي لم ينحصر على الإذاعة فقط، بل كان هناك تعاون بالإضافة إلى الإذاعة، وقال صويلح: وجدنا ترحيباً مشكوراً من إدارة الإذاعة وهذا ما جعلنا نكرر التعاون معهم للسنة الثالثة، مؤكداً أن الفن الهادف بحاجة لعدم وضع قناعات سلبية أو متخيلة في العلاقة مع أي طرف، حتى لا نحرم الآخرين من الخير.
واعتبر صويلح أن الفن الهادف يحتاج المزيد لتكوين مكتبة قوية متنوعة المواضيع والأهداف يستطيع من خلالها فرض نفسه على الواقع والمجتمع، داعياً الجهات المختصة بالفن الهادف لاستحداث إذاعات تختص بهذا اللون، وقال: لا بد من المبادرة لتكوين إذاعة إنشادية دون إغفال التعاون مع أي جهة كانت، لأنه يبقى لكل جهة سياستها الداخلية والتي قد لا تتطابق مع ما يطمح له محبو هذا الفن.
جمهور واسع
إلى ذلك، أكد بعض المراقبون والمتابعون لتطور النشيد الإسلامي أن مثل هذه المبادرة، وإن كانت في شهر رمضان المبارك، فهي تعني أن النشيد الإسلامي أصبح له جمهور أوسع من الجمهور المتدين، مشيرين إلى ضرورة أن تكون الأعمال الإنشادية القادمة على مستوى رفيع من الجودة وحسن الأداء وقوة الكلمات. وتفاءل خالد البرق، أحد المتابعين للإنشاد، بهذه الخطوة، واعتبرها خطوة جريئة كون هذه الإذاعات لا تقبل بعرض الإنشاد الديني، فيعتبر رمضان فرصة جيدة لاقتحام هذا المجال.
وتمنى البرق أن لا ينحصر هذا التعاون على شهر رمضان، مؤكداً على ضرورة أن تُعرض الأناشيد ذات الكلمات القوية واللحن الرائع، مشيراً إلى أن جمهور هذه الإذاعة لن يقبل أي عمل، فمن الضروري أن تنتقى الأعمال بحذر وأن تكون وفق نظرة فنية متخصصة.
وأوضح عمر شحادة، ناقد فني، أن النشيد الإسلامي اليوم دخل مرحلة جديدة وهي قدرته على منافسة الغناء الماجن، وقال: أعتقد أن بث الأناشيد الإسلامية الهادفة من خلال الإذاعات سيكون له قبول واسع من شريحة المستمعين عبر أثير fm، مؤكداً وجود تقارب كبير بين النشيد الهادف والغناء الماجن من حيث الأداء واختيار الألحان، وهو ما سيجعل له قبولاً لديهم، واستدرك عمر أن كلمات الإنشاد تختلف اختلافاً كبيراً عن غيره من الفن الماجن وهو ما سيجعل البعض يفضله على غيره.
قفزة إعلامية
ويرى فؤاد عبدالغني، منشد، أن هذه المبادرة تعتبر خطوة إيجابية قامت بها إذاعة mbc fm، وقفزة إعلامية قوية بالنسبة للنشيد الإسلامي، وأوضح فؤاد أن هذه البادرة ستتيح للمنشدين التوسع في الإبداع من جميع النواحي الفنية لإظهار مواهبهم في نطاق أوسع عند الجمهور العربي، متوقعاً أن تواجد المنشدين في هذه الزاوية الجديدة سيعرف الجمهور بالمنشدين، كما أن هذه الفكرة قد تكون تمهيداً لإنشاء إذاعة تختص بالإنشاد بدلاً من السطو على الآخرين.
الجدير بالذكر أن الإنشاد الهادف بدأ يأخذ حيزاً في الوسط الفني، وقد كان للمنشدين الجدد دور في ذلك، فبسبب انفتاحهم على مستجدات العصر وتنويعهم لألوان النشيد، كما تعايشوا أكثر مع واقع الإنسان العربي المسلم صاحب الهموم المختلفة، حيث استطاع المنشدون الجدد الخروج عن المسار الديني البحت إلى مسارات أخرى أعم وأشمل، فتناولوا قضايا الأمة المتنوعة بأهدافها وآمالها وآلامها، فجاءت قضايا الأسرة والمشكلات الاجتماعية العامة، كما تناولوا الجوانب العاطفية من صداقة وحب وما كان خاصاً بالأعراس، بالإضافة إلى العديد من الموضوعات الأخرى التي يهتم بها الناس.
الأحد 23 أغسطس - 5:56